الجمعة، 12 يونيو 2009

قدر الله وما شاء فعل


بالأمس قرأت موضوع للدكتور ايمن الجندي كانت صديقتي منى قد رشحته لي بعنوان " أول ليلة في حياة طبيب "
موضوع شيق واستطاع أن يأخذ كل حواسي وانتباهي بأسلوبه السهل وعرضه لكل مشهد من مشاهد الحدث بالتفصيل ولذلك استطاع أن ينقلني معه إلى مسرح إحداثه وينقل إلي اللهفة لمعرفة ما بعد ذلك

قرأت الموضوع حتى وصلت إلى أخر مشهد حيث يشاء القدر ويموت جمعة فإذا بي اشرد قليلا وانتقل من هذه المسرحية والتي كان الدكتور وجمعة بطلاها إلى مسرحية أخري كنت أنا بطلتها هذه المرة

انه يوم الأربعاء 25 يناير 2007 حيث استيقظت على الم شديد لا أستطيع وصفه أو تحديد موضعه ، الم في كل جسمي ، وهو ما عرفت انه " الم الولادة "

فرح ممدوح زوجي فرحا شديدا اظنها فرحة مختلفة عنها يوم زفافنا فقد كان شديد اللهفة لرؤية ابنه البكر ووضعه بين يديه ليؤذن هو في أذنيه ويدعوا له بالصلاح في الدنيا قالها لي مرارا طوال فترة حملي وحتى تكون هناك علاقة حميمة من نوع خاص تنشا بينهما منذ الوهلة الأولى
ياه ، أحس ممدوح بان حلمه أوشك أن يكون حقيقة

وسريعا اتصل بالدكتور المعالج والمتابع لي فترة حملي والذي اخبره بضرورة اخذي والذهاب إليه فورا
كنت قد جهزت حقيبة بها ملابس لي وللبيبي القادم فأخذناها معنا
لم يخطر ببالي أبدا أن ابني لن يلبس هذه الملابس مطلقا والتي أحضرتها له ومازلت احتفظ بها ( قدر الله وما شاء فعل )
المهم أن الطبيب قد بدا في تنفيذ مهمته منذ دخولنا عيادته المكونة من حجرتين وطرقة طويلة كئيبة بها حجرة أخري جهزت للولادة ولا اقصد جهزت بالأجهزة والمعدات اللازمة وإنما وضع بها سريرا وجهاز صغير مثل الراديو اللاسلكي لسماع دقات قلب الجنين واختياري لهذا الطبيب لم يكن سوى أن سلفتي كانت تلد عنده باستمرار وبتقول عليه كويس أوي وذلك بعد أن تركت الطبيب الأول الذي كنت أتابع عنده لان سلفتي الأخرى قالت انه مش كويس ، أول ولادة بقى والواحد مش عارف حاجة كلمة توديه وكلمة تجيبه

المهم تم تعليق المحاليل التي احضرها ممدوح من صيدلية بالدور الأرضي للعيادة واطمئن الطبيب على نبض الجنين

الساعة الآن العاشرة صباحا والألم في ازدياد مستمر , أحس بحرارة الجو رغم إننا في شهر يناير وشخصيات في الحجرة لا تبالي بألمي وكأنه أمر طبيعي
كدت أقولها للطبيب " ارحمني " ولكنه كان أسرع في الرد بقوله
" أنتي مكبرة الموضوع كدة ليه شايفة كل الناس اللي تشوفيهم وبتتعاملي معاهم بيولدوا ويعملوا زيك كدة وأكثر وبعد كام شهر يحملوا تاني وتالت وهي دي سنة الحياة "
أيضا اسمع أصوات سلفتي وحماتي ولهفتهم لرؤية المولود

وصلت الساعة الثالثة ومازلت أعاني وأعاني حتى فقدت الإحساس بكل أعضاء جسمي ومحاولات مستمرة من الطبيب ممكن اسميها محاولات بالرغم من أنها في الواقع إصرار منه لينجز مهمته بولادة طبيعية و ليأخذ وسام الشرف من الموجودين بأنه الدكتور الذي لا يلجأ إلى الولادة القيصرية ، غير مدرك تماما أن لكل حالة ظروفها ولولا هذه الظروف لما كانت الولادة القيصرية

الساعة الآن الرابعة ووصلت الخامسة وأنا أحس فعلا باني أتلفظ أنفاسي الأخيرة بعد أن تم خنق المولود في الحوض واسمع الطبيب يقول كفاية طلق صناعي أخذت كنير

أخيرا خرج إلى الحياة رافضا إياها ، رفض أن يعيش في دنيا بها أمثال هذا الطبيب الذي أحس بقسوته قبل أن يخرج للحياة ، لم يدرك أبدا أن هناك أطباء آخرون أمثال دكتور ايمن الجندي ومدى إحساسه بمريضه بدرجة فاقت إحساس أم المريض
رفض ابني أن يصرخ الصرخة الأولى والتي يقال عنها تفسيرات كثيرة والتي طالما حلمت بها طوال فترة حملي أو كلما أحسست بركلة منه في جنبي

نهضت من نومني مضطربة رغم أني كنت جثة هامدة وصرخت " هو مش بيصرخ ليه مش بيعيط ليه " وتسلل إلي إحساس أكيد بأنه يفارق الحياة التي لم يأنس بها ولم تأنس به بعد
فحصه الطبيب وسمع دقات قلبه والتي ظلت مستمرة دون أي رد فعل منه
وبحركة سريعة من الطبيب وباضطراب منه أيضا حاول أن يسعفه بالنفس الصناعي ولكن دون جدوى
دقات قلبه مستمرة ولكنه جثة هامدة لا يقدر على اخذ النفس الأول

علامات اضطراب وقلق على وجوه كل الموجودين ينظرون إلى الطبيب في ترقب تام إثناء فحصه للمولود وعلى وجوههم أسئلة كثيرة
طلب ممدوح أن يأخذه ليذهب به إلى اقرب مستشفى للأطفال وفي عجلة منه طلب من الممرضة أن تلبسه ملابسه ولكن قاطعه رد غريب من الدكتور لا افهم مغزاه حتى الآن
خذه كما هو ولفه فقط بالبطانية

أيقنت بان طفلي بالفعل يفارق الحياة
أخذه ممدوح مسرعا إلى مستشفى أبو الريش للأطفال التي أوصى بها الطبيب ولا ادري لماذا هذه المستشفى بالذات بالرغم من وجود مستشفى خاص للأطفال بجوار العيادة ونحن في اشد الحاجة للإسعافات الأولية ؟
في هذه الأثناء كنت أنا قد استعجلت خروجي من العيادة وذهبت إلى المنزل في انتظار قدوم ممدوح من المستشفى ليخبرني بان ابني أصبح في أحسن حال
ولكن بينما أنا أفكر في هذا دخل على والد ممدوح يخبرني بأنه اتصل بممدوح وانه خلاص في طريق العودة
نظرت إلى عيني والد ممدوح وكأني أحاول أن استقرا مابها قبل أن يتلفظها
أو كأنني أتمنى أن ينطقها بان ابني في أحسن حال وانه مازال على قيد الحياة واستعطفه بالنظر بالا يقول انه قد فارق الحياة حتى جاء ممدوح وشاهدت عليه ملامح الحزن والانكسار أعطاني محمد ووجدتني اقبله ثلاث قبلات متتالية في جبينه وانظر إليه النظرات الأخيرة

ما يؤلمني فعلا حني الآن إنني أحسست به وهو يتألم ويصرخ بلا صوت ، أحسست بضعفه في مواجهة قسوة هذا الطبيب
أحسست كأنه وكأي طفل يستعين بأمه في مواجهة الخطر
كنت قريبة جدا منه ولكني لم استطع مساعدته ولكني احمد الله أني تأملته جيدا وان صورته لا تفارق خيالي حتى أنني كثيرا ما تمنيت أن أجيد فن الرسم حتى ارسم له صورة احتفظ بها خوفا من فقدان أي من ملامحه


حبيبي محمد أنا هفضل فاكرة صورتك إلى أن ألقاك يوم القيامة حيث ترى كل أم وليدها الذي فقدته في الدنيا بعد أن ظل يصرخ طالبا حضنها ، هكذا قال الشيخ لوالدك .

هناك 11 تعليقًا:

غير معرف يقول...

الموضوع جميل جدا واسلوبك فية رائع بس بلاش كلام كتير عن الموضوع دة وبالنسبة للدكتور أكيد هو بيفهم بس النصيب وبعدين دة مكتوب
وتأكدى أنة حتى لو كنت ذهبتى لدكتور عالمى كان هيحصل اللى حصل تماما دى أقدار
وعلى فكرة محمد دة حظة حلو أوى أوى أحسن من أى واحد عايش لأنة بإذن الله لة الجنة
فأدعيلة فى سرك وبلاش جهر وبأذن الله يكون سبب فى دخولك أنتى وممدوح الجنة
أخوك / محمد (حمادة)
بس بجد أسلوبك جامد مكنتش أعرف إن أختى جامدة أوى كدا

غير معرف يقول...

فى سؤال فى الموضوع التالى فى التعليقات اللى هيرد علية هقولة فزوره جامدة وكمان هقولة على حلها
حمادة عبد المعطى

رشاashash يقول...

على فكرة انا ياحمادة فعلا بادعي له في سري مش جهرا ، بس انا قررت اكتب الموضوع دة علشان خايفة احساسي تجاه يقل في يوم من الايام ووقتها مش هسامح نفسي علشان كدة قررت اكتبه واشوفه علطول

غير معرف يقول...

يااااااااااااه يارشا انتى ليك الجنه يارشا انتى عشتى موقف صعب اوى ربنا يبارك لك فى سلمى ويعوضك بيها ..... غاده

yoyo يقول...

اتاخرت فى التعليق ومكنتش هعلق وقولتلك ده لا تعليق بس بجد يارشا انا متجوزتش ولا خلفت ولا اعرف يعنى ايه امومه مع انى نفسى اكون ام اوووووى ورغم كده حسه بيكى اوى وبجرحك وبصدمتك فى اول بيبى بس ادعيله هو هيكون السبب فى دخولك الجنه وربنا عوضك بسلمى ربنا يخليهالك ويخليكى ليها

منى سليم يقول...

على فكرة انا كمان يا روشا مش بانسى اليوم ده

و مش بانسى محمد ابدا، فاكرة شكله اوى و هو كان شبهك انتى

و مش بانسى اكتر مشهد رومانسي شفته معاكي انتى و ممدوح كان حاسس بك اوى و خايف عليكي و حاطط حزنه على حزنك بمنتهى الرقة .. ربنا يهديكوا لبعض

منى سليم يقول...

على فكرة انا كمان ياروشا مش انسى اليوم ده

و فاكرة محمد اوى كان امور .ز و كان شبهك انتى .. كان فعل وشه مدور و منور ى القمر

ومش بانسى احلى مشهد رومانسى شفت هتقريا كان بينك انتى وممدوح كان خايف عليكي اوى و حاسس بك و حاطط حزنه على حزنك بمنتهى الرقة .. ربنا يهديه لك و يبارك لك فى سلمي و يجمعك على خير بمحمد فى الدنيا الثانية

ام مليكة يقول...

ممممممممممممممممم
مش عارفه أقول لك ايه؟؟ بس اللي عارفاه كويس ان مشاعرك لايمكن حد تاني يحسها حتى لو مر بنفس الموقف يا رشا، لكن اللي متأكدة منه إن ربنا بيقف جنب أحباؤه جدا وبيخليهم يصبروا ويقووا اكثر من قبل المحنة، ومحمد بقى حبيبك ورفيقك إلى الجنة إن شاء الله..

وطبعا نظرة في عين لومي الحلوة بتنسي كل همك وحزنك ربنا يحميها ويقدركم على تربيتها وحمايتها

رشا عبيد يقول...

فعلا يادودو سلمى نسيتني كتير اوي او بمعنى اصح شغلتني عن التفكير كتير في الموضوع دة وكتير بقول لنفسي لو ماكنتش خلفت سلمى بعد الموضوع دة علطول كان هيحصل لي ايه
بيتهيقلي كان زماني اتجننت
بس الحمد لله ربنا بيقطع من هنا ويوصل من هنا وربنا يخليكي لي يا احلى سلمى في الدنيا

osama يقول...

لا أجد ما أقوله ، ففقدان فلذة الكبد هي أكبر شيء في هذا الحياة ليس فقدانهم فقط ولكن لو خدش منهم ظفر لاهتزت القلوب شفقة ورحمة بهم .
صبرك الله يا رشا وعوضك خيرا منه لا تنسي قول النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها.

رشا عبيد يقول...

قدر الله وما شاء فعل