الثلاثاء، 20 مارس 2012

مفيش رحمة وسط الزحمة


شهدت منطقة "وسط البلد" حادثة مروعة، حيث تجردت أم من أدنى مشاعر الإنسانية وتحولت إلى وحش كاسر فقامت بفقأ عين طفلتها الصغيرة ،التي لم تتعد عامها الخامس، لإحداث عاهة مستديمة بها كي تستخدمها في استدرار عطف المارة مقابل منحها جنيهات معدودة.

حيث تلقى قسم شرطة بولاق أبو العلا بلاغا من مستشفي قصر العيني باستقباله الطفلة فاطمة محمود "٥ سنوات" مصابة بانفجار بالعين اليسري، وبمناقشة الطفلة الضحية أكدت أن والدتها هي التي فعلت بها هذه الجريمة البشعة.

وبتضييق الخناق على الأم المتهمة، مقيمة بحي بولاق أبو العلا، اعترفت بارتكابها هذه الجريمة لاستخدامها في التسول معللة فعلها الوحشي بأنها عجزت عن توفير لقمة العيش لأسرتها، ولم يكن أمامها سوى إتيان هذه الجريمة كي تستدر عطف المواطنين ليعطوها ما تأكله هي وأبناؤها.

وتثير هذه الحادثة الأليمة عدة إشكاليات خطيرة يجب إيجاد حلول عاجلة لها، لعل على رأسها ضبط محترفي التسول تحت قبضة الأمن، ففي حالات كثيرة يصادف المارة على الطريق الدائري وفي الشوارع والميادين الكبرى نساء تحمل أطفالا في حالة أشبه بالغيبوبة حيث لا يتحركون ولا يبكون ولا حتى نراهم يأكلون، مما قد يخفي وراءه انتهاكات خطيرة في حق هؤلاء الأطفال أبسطها انتشار ظاهرة خطف الأطفال التي بتنا نسمع عنها كل يوم في أكثر من مكان.

كما حذرت العديد من الدراسات الاجتماعية من وجود مافيا تدير ظاهرة التسول هذه بمنتهى القسوة وانعدام الضمير، والشاهد في ذلك أمور عديدة جاء بعضها في دفاتر أحوال أقسام الشرطة، كما عبر العديد من الأفلام والمسلسلات عن وجود هذه العصابات المتخصصة في الاتجار بالبشر بدون أي رحمة.

وتؤكد كافة التقارير على أن التسول تحول إلى ظاهرة خطيرة ولعلها من أشد الظواهر الاجتماعية وأكثرها تعقيدا، فتنامي هذه الظاهرة في مجتمع ما، يعتبر مؤشرا على هشاشة اقتصاده، وضعف إمكانياته، وقلة حيلته السياسية في تدبير الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذا البلد والنهوض بالتنمية الاجتماعية.

الأمومة في خطر

وتعقيبا على هذه الحادثة الشنيعة تؤكد سمر عبده , المستشارة الاجتماعية، بأن الظروف الاجتماعية قطعا تبرر جزءا من هذه الأفعال , فعندما يتعرض الفرد لعوامل القهر مع عدم تلقيه لمعاملة آدمية وعندما يعيش في بيئة كلها عنف مع افتقاده للإحساس بالأمان , نجده مع الوقت يفقد بشكل غير مقصود أو غير واع الإحساس بالألم، وبالتالي يترسخ لديه التبلد كالطفل الذي لا نجد منه أي رد فعل من كثرة ضربه ونقول " جسمه نحس "..!

وتواصل عبده فتقول : بالتالي فإن كثير من الأسر التي تعاني مثل هذه الظروف وخاصة في العشوائيات والتي تعاني كل أشكال العنف, الجسدي منه أو الجنسي , لا تشعر بأي نوع من الخلل تجاه ارتكاب مثل هذه الأفعال وربما تقتنع بأن ما تفعله هو الطبيعي.
هذا عن الجزء الخاص بالظروف الاجتماعية , ولكن هناك جزء له علاقة بالأمومة – والكلام مازال على لسانها - فمع ولادة الطفل يزرع الله الحب بداخل كل أم تجاه طفلها

وتعبر عنه بتلقائية، إلا إذا كان هناك سبب نفسي يمنعها من ذلك أو يجعلها تفتقد لمثل هذه المشاعر, وبناء على ذلك قد تكون هذه الأم تخيلت أنها بفقع عين ابنتها ستحمي نفسها وتحمي أبناءها من الفقر والجوع وستؤمن لها معيشة أفضل , وهنا يظهر الخلل في التفكير وارتكاب كل ما هو ضد قوانين الطبيعة بسبب سوء التعليم وسوء الأحوال المعيشية.

غياب دور الدولة

وعن دور المؤسسات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني تجاه رعاية وتأهيل هذه الأسر, تؤكد عبده بان هناك بالفعل مؤسسات كثيرة ولكنها تقدم جزءا من هذا الدور ولا تستطيع تقديم دورها بالكامل , الذي هو دور الدولة في توفير حياة كريمة لمواطنيها لعدم اللجوء إلى هذه الأفعال الشنيعة , كذلك تقديم الرعاية العلاجية لمن هم في حاجة إليها , وتفعيل القانون الذي يجرم مثل هذه الأفعال مع وضع العقوبات الرادعة .

وتواصل : مع غياب دور الدولة هناك بالفعل مؤسسات تهتم بالمرأة وأخرى تهتم بالطفل مثل مشروع " إنسان " الذي يتبناه الداعية عمرو خالد، ويهتم بتعليم الأطفال وتقديم الدعم الكامل للأسرة والاهتمام بتوعية كل من الأب والأم , ولكن حتى هذه اللحظة ما زالت المحاولات محدودة مع غياب دور الدولة والزيادة الرهيبة في الكتلة السكانية.

وفيما يخص نفسية هذه الطفلة التي فقعت الأم عينها, تتوقع المستشارة الاجتماعية لها بالطبع حياة نفسية سيئة، موضحة أن كل الاحتمالات متاحة أمامها , فإذا وجدت من يأخذ بيدها ويساعدها على التكيف مع فقد البصر والعمل على إشباع احتياجاتها النفسية ,وإذا وجدت الاحترام والقبول ستستطيع عبور الأزمة والتكيف مع هذه العاهة المستديمة.
أما إذا ظلت في نفس البيئة دون أي رعاية , فلنا أن نتوقع أسوأ ما يمكن توقعه وسنجدها شخصية ضد المجتمع وناقمة على الحياة وتتعامل بمعطيات محددة، وهي أنها لابد أن تحمى نفسها بأي وسيلة كانت وتريد أن تستأثر بكل شيء لنفسها بخلاف الرغبة في الانتقام من كل ما حولها.

الثورة بريئة

وتتمنى عبده بألا يتفوه الكثيرون ويلومون الثورة بأنها سبب في مثل هذه الجرائم لأن هذه الحالات موجودة بالفعل في مجتمعنا ومنتشرة وليست نتاجا للثورة , فهي تراكم رهيب لمعيشة سلبية وسيئة وهذا التراكم يحول هؤلاء الأفراد لشخصيات ممكن أن تنفجر في أي وقت بشكل أو بآخر.

وتشير بأن الثورة هي المسار الوحيد الذي سيعمل حراكا ومداواة لهذه الأمراض ولكن هذا لا يحدث في يوم وليلة , فمصر كانت أشبه بمستنقع والثورة جاءت لتحول هذا المستنقع إلى نهر جار , وهذا التحول يحتاج بالطبع إلى وقت حتى نرى الحدائق والخضرة على ضفاف النهر

وتختتم قائلة : بدلا من لوم الثورة أنصح كل فرد شارك في الثورة أن يظل ثائرا على نفسه وأن يحسن من نفسه في مجاله ومكانه .



اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - الوفد

ليست هناك تعليقات: