ميراث المرأة حق كفلته الشريعة وسلبته التقاليد
عاشت المرأة فترات طويلة مهدورة كرامتها, مسلوبة حقها ,ممنوعة من إرثها, مفقودة حريتها مهانة في مجتمعها, تعيش تحت سلطة أبيها حتى تتزوج لتنتقل هذه السلطة إلى زوجها باعتباره الحاكم المطلق الذي يملك حق التصرف في كل ما تملك وكل هذا تحت عباءة السيادة الذكورية في المجتمعات على مر الحضارات والثقافات المختلفة, إلى أن جاء الإسلام ورفع قدر المرأة وعظم من شانها وحفظ لها حقوقها وتعامل معها كإنسان له كامل الحقوق والواجبات بعد أن عاشت مجرد تابعا للرجل وفي هذا الشأن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه" فللرجل حقه والمرأة حقها, ومن الحقوق التي كفلتها الشريعة الإسلامية للمرأة "الحقوق المالية وتخصيص ذمة مالية مستقلة لها وتحديد نصيب خاص بها في الميراث تملك حرية التصرف فيه وهذا ما دفع المؤرخ غوستاف لوبون في كتابة" حضارة العرب" إلى القول: "إن الشريعة الإسلامية أتاحت للمرأة حقوقا في المواريث لا نجد مثيلها في قوانيننا الأوروبية"
الحق الشرعي للمرأة في الميراث
وقد وردت العديد من الآيات المفصلة لحق المرأة في الميراث سواء أكانت زوجة أو بنتا أو أما أو أختا شقيقة أو أختا لأم أو لأب، وأجملت جميعها في سورة النساء مع التفاوت في الأنصبة طبقا لدرجة القرابة من المتوفى أو المسئوليات الواقعة عليهن ومن هذه الآيات قوله تعالى:
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).
وقوله أيضا:
(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).
حالات تميز المرأة على الرجل في الميراث
وفي كتابه "تمييز المرأة على الرجل في الميراث والفقه" يؤكد دكتور صلاح الدين سلطان بأن الشريعة الإسلامية هي من تحمي حقوق المرأة وليست القوانين فقد راعى الإسلام ضعف المرأة وحاجتها للرعاية فأكرمها في الميراث والنفقة أكثر من الرجل على عكس ما يتوهم الكثيرون, ولأن التركيز دائما يصب في الحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل فكان تركيز دكتور صلاح الدين على الحالات التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل ومنها :
- فرض الثلث يكون أحظى للمرأة من التعصيب للرجل أحيانا فلو توفي رجل عن زوجة وأم وأختين لأم وأخوين شقيقين وترك 48 فدانا, فيكون نصيب الزوجة 12 فدان ونصيب الأم 8 أفدنة ونصيب الأختين 16 فدان ونصيب الأخوين 12 فدان أي أن الأخت 8 أفدنة في مقابل 6 أفدنة للأخ.
-فرض الثلثين مفيد للمرأة على التعصيب للرجل أحيانا, فإذا ماتت امرأة عن ستين فدانا والورثة زوج وأب وأم وبنتين فيكون للزوج 12 فدان والأب 8 أفدنة والأم 8 أفدنة والبنتان 32 فدان أي كل بنت 16 فدانا.
- فرض النصف أفاد الإناث عن التعصيب للرجل أحيانا ويتضح ذلك من هذا المثال, فلو ماتت امرأة تاركة 156 فدانا وكان ورثتها زوج وأب وأم وبنت فإن نصيب الزوج يكون 36 وكل من الأب والأم 24 وتأخذ البنت 72 فدانا.
- فرض السدس يكون أحظى للمرأة من التعصيب للرجل أحيانا فلو ماتت امرأة وتركت 60 فدانا لزوج وأم وأخت لأم وأخوين شقيقين فيأخذ الزوج النصف أي 30 فدانا وتأخذ الأخت لأم السدس "10أفدنة"وتأخذ الأم سدسا هي الأخرى والباقي تعصيبا 10 أفدنة للأخوين الشفيقين.
كما يوضح دكتور صلاح الدين سلطان بأن هناك حالات في تقسيم التركة لا يحصل فيها الرجل على نصيب في حين لو كان امرأة لورث و حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل خاصة مع الجدة التي ترث في كثير من الأحيان بعكس الجد.
الأعراف القبلية في مواجهة الشريعة
وعلى الجانب الآخر يوضح محمد عبد الرحيم, المحامي بالنقض والاستئناف العالي الحالات التي لا ترث فيها المرأة فيقول: إذا كانت المرأة متهمة في قتل المتوفى فلا يكون لها نصيبا في الميراث لقوله صلى الله عليه وسلم "ليس للقاتل من الميراث شيء", كذلك لا يجوز أن ترث الزوجة الكتابية زوجها المسلم وهناك حالات أخرى تمنع فيها المرأة من الميراث أيضا, فإذا كانت مطلقة طلاقا بائنا فلا إرث لها من زوجها.
وعن الظلم الذي يقع على المرأة عند تقسيم الميراث يوضح عبد الرحيم بأن عدم الالتزام بأحكام الشريعة والمواريث مع التشبث بالأعراف والعادات والتقاليد خاصة في المجتمعات القبلية والعشائرية هو ما يجعل المرأة دائما تحت رحمة آخرين لا يسمحون لها بأن تنعم بما أحله الله لها ويصف بدوره حالات تجهل فيها المرأة نصيبها وربما بسبب الأعراف أصبحت مقتنعة بأن حقها في الميراث هو المال فقط دون الأراضي أو العقارات التي هي من حق الرجال فقط دون النساء بحجة عدم تقسيم الأراضي أو دخول الغريب فيها "والغريب هنا يعود على زوجها" وهناك حالات أخرى تعي فيها المرأة نصيبها بل وتكون في أشد الحاجة إليه ومع ذلك تتنازل عنه طواعية مقابل المال بعد أن يطلب الورثة الذكور التنازل عنه وفي أحيان أخرى تتنازل بنفسها عنه مجاملة وعن ضيق صدر, ومع ذلك ترفض اللجوء إلى المحاكم بسبب القهر والظلم الاجتماعي الذي تعيشه، وهنا لابد وأن تقوم الجهات المسئولة والجمعيات الأهلية والمهتمة بحقوق المرأة بتوعية المرأة وتثقيفها بحقوقها الشرعية من خلال الندوات وحملات التوعية مع ضرورة وضع عقوبات مشددة لمن يحرم المرأة من حقوقها المالية وخاصة المتعلقة بالإرث حتى لا تنتصر الأعراف والتقاليد على الأحكام الشرعية والقوانين.
كيف تحمي المرأة حقها؟
ولأن جهل المرأة بالإجراءات القانونية هو ما يقف حائلا في معظم الأحيان دون التمتع بحقها في الميراث يقدم سامي بن عبد الرحمن التميمي, المحامي (نقلا عن البلاغ) مجموعة خطوات على المرأة إتباعها وهي:
-حصر ورثة المورِّث بصك صادر.
- حصر تركة المورِّث، ويبلغ عنها في مؤسسة النقد ووزارة العدل.
- تعين حارس قضائي من المحكمة في حالة الخلاف.
- تقسيم الأموال النقدية أو العقار، وتسييل المحافظ وتوزيعها على الورثة.
- مخاطبة وزارة العدل ومؤسسة النقد عن أي أموال أو عقارات، تقدّم بها أو لم يتقدَّم بها وكيل الورثة لمعرفة حقيقة ما تقدّم به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق