رشا عبيد
21/06/2011
"يا مدلع ولدك يا شاقيه"
أن نحب أطفالنا لا يعني أن نحقق لهم جميع رغباتهم أو نجعلهم بمنأى عن العقاب وهذا ما أكدته دكتورة هبة قطب مدرس الصحة الجنسية والعلاقات الزوجية في أحد برامجها المتعلقة بالأسرة، بعد أن حكت قصة أب جاءها يستغيث ويطلب المساعدة، وسرد قصته كاملة مع زوجته وابنه الوحيد ، يقول: بعد زواجنا كانت هناك مشاكل في الإنجاب وسافرت بزوجتي إلى الخارج للعلاج ولم نفقد الأمل حتى رزقنا الله بطفل بعد عشرين عاما من الانتظار. ويواصل: لم تسعني الفرحة أنا وأمه وعاهدنا أنفسنا على ألا نحرمه من أي شيء قط، وأن نلبي جميع طلباته حتى قبل أن يطلبها أو يفكر فيها .. وقاطعته الدكتورة بسؤالها .. ألم تجبره على شيء قط ؟
قاطعها الأب : بالطبع لا... ولماذا أجبره على عمل شيء وأنغص عليه حياته ما دام رافضا إياها!؟
فسألته: ومتى بدأ الصلاة ؟
- عندما بلغ الخامسة عشر من عمره ولم يواظب عليها لأني لم أجبره يوما على الصلاة أو الذهاب معي إلى المسجد حيث كان يتعلل باللعب على جهاز الكمبيوتر الخاص به فاتركه.
وواصل الأب حديثه بندم وحزن شديدين وتلعثم وهو ينطقها: " إلى أن حدثت الكارثة وسافرت مع والدته لزيارة أحد الأقارب، وعند العودة كانت الفاجعة الكبرى عندما فوجئنا بابننا الوحيد المدلل في وضع مخل مع أحد أصدقائه، وعلى الفور وقعت أمه وأصيبت بذبحة صدرية ، وما جعل عقلي يشت أنني عندما واجهته بأن ديننا وتقاليدنا الاجتماعية ترفض ذلك ، رد علي ببساطة قائلا " أنا أفعل ذلك لرغبتي فيه وعندما أحس بعدم الرغبة في هذا الأمر سوف أمتنع " .
وعلى أحد المنتديات، وفي حلقة نقاش عن سمات الشخصية يشكو أحدهم أبيه الذي رباه على التدليل الزائد قائلا: "عودتني على أن تكون طلباتي مجابة، ورغباتي محققة، مخدوما لا خادما ... وآخذا لا معطيا ... و آمرا وناهيا، والخطأ مني في نظرك صواب". وواصفا حالته الحالية بعد أن اصطدم بالواقع كأنه مقاتل يحارب في ساحة المعركة دون سلاح، أو كهشيم تذروه الرياح، أو كقارب صغير يعاني من لطم الأمواج، وقد فقد الملاح. متمنيا أن يعود به الزمن ويتربى بقسوة مغلفة بالرحمة وغلظة ممزوجة بالحنان فيصبح شخصا متزن الشخصية.
ولكن !!
ماذا يفعل الآباء لتجنب التدليل الزائد في التربية ؟
وهل الشدة هي الحل الأمثل والبديل أم هناك أساليب أخرى ؟
يعرف التدليل بأنه: الحب الزائد عن الحد والإسراف في تلبية رغبات الطفل، لشراء رضائه ومخافة من جرح مشاعره، والمبالغة في الحيطة والحذر تجاه الطفل. ولهذا يؤكد خبراء متخصصون في التربية بأن الوسطية في التعامل مع استخدام الحزم دون قسوة هما خير وسيلة للتعامل مع الأبناء "لا إفراط ولا تفريط" محذرين من التدليل الزائد والذي على أثره ينمو الطفل وهو يريد أن تلبى جميع مطالبه، بصرف النظر عن الظروف المحيطة به، ولا يقبل الرأي الآخر، فيثور ويغضب عندما ينتقد أحد سلوكه، ولأنه تربى على الدلال، ولم يسمع سوى كلمات المدح والثناء والحب، لذا يعتقد الكمال في كل تصرفاته وأنه منزه عن الخطأ.
نفس المعنى يؤكده دكتور بينجامين سبوك في كتابه " تربية الأبناء في الزمن الصعب"، فيرى أن الطفل في حالة التدليل المبالغ يخرج إلى المجتمع وقد اختلطت لديه المفاهيم، وأصبحت الأمور عنده غير واضحة، النجاح كالفشل والصدق كالكذب.
دراسة حديثة:
وما يؤكد أهمية الحزم في التربية، دراسة أقامها مركز الدراسات التربوية في أمريكا عام 2000على مجموعة من الأطفال ذوي الست سنوات بهدف معرفة أهمية تأجيل الإشباع لدى الطفل مستقبلا حيث وضع الباحث أمام الأطفال علبة حلوى، وأعلن أن من سيأخذ الحلوى الآن سيحظى بالحلوى فقط، أما من سيأخذها بعد ساعتين سيفوز بالحلوى وأشياء أخرى مبهرة. وكانت النتيجة أن تناول جزء من الأطفال الحلوى متسرعا، والجزء الأخر كبح جماح نفسه، وبعد عشر سنوات أجري الباحث اختبار الشخصية على نفس العينة وكانت النتائج التي ظهرت هذا العام أفادت بأن الأطفال الكابحين جناح رغباتهم في الصغر هم الآن يتمتعون بشخصية قيادية مبادرة ناجحة، أما من تسرعوا في الصغر وأكلوا الحلوى في الحال فيتميزون بشخصية اعتمادية مترددة غير واعية لمتطلبات حياتها.
في التفريط الندامة وفي الحزم السلامة:
ولهذا تنصح وفاء أبو موسى ، المستشارة التربوية والنفسية بضرورة تحديد النموذج التربوي في التعامل مع الأبناء، وتحذر من تربية الدلال لأنها مفسدة للطفل وتدفع به إلى النشأة السلبية ، وتقدم في خطوات نصائح للآباء والأمهات في تربية الأبناء حتى لا يصير طفلهم مدللا :
1. استخدام الحزم مع الاهتمام الشامل بالطفل، ويتسم الاهتمام به بالشمولية الكاملة للاهتمام شرط أن يكون الوالدين حازمين في حالة تكرار خطأ الطفل .
2. الاهتمام الإيجابي مقابل الرعاية الزائدة، أي على الوالدين الاهتمام بالطفل اهتماما إيجابيا لما يصب في مصلحته، أي عند الاهتمام بطعامه عليهم الاهتمام بالطعام الصحي والبعد عن الأطعمة المحفوظة والتي يرغبها الأطفال بشدة.
3. أيضا الاهتمام الإيجابي باللعب وترفيه الطفل، بالمقابل تنظيم وقته ما بين اللعب والتعلم والاجتماعيات والترفيه والنوم المنتظم.
4. توضيح قوانين الأسرة من الأشياء الهامة في حياة الطفل حيث يظن البعض أن الطفل لا يفقه قوانين الأسرة، لكن الطفل يتعود على هذه القوانين فكلما كان الوالدين واضحين مع الطفل بشأن ما يجب وما يصح والعكس نجد الطفل تعلم تحمل المسئولية .
5. ليس من الضروري تلبية كافة احتياجات الطفل، وهذا ليس هدفه الحرمان بل بهدف التنشئة الصحيحة.
التدليل الزائد يساوي الإهمال:
ويعلن دكتور عمرو أبو خليل، الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي، أن التدليل الزائد للأطفال مثله مثل الإهمال، وبالتالي هو بمثابة إساءة للطفل مثل الإساءة بالإهمال، ويرى أن الطفل المدلل غالبا ما يكون الطفل الوحيد، أو الذي جاء بعد فقدان الأمل في الإنجاب، أو الولد الوحيد بين أكثر من بنت ، وقد يلجا الأبوان أيضا إلى أسلوب التدليل في التربية نتيجة فقدان سابق لأحد الأبناء، أو توالي حمل غير مكتمل للأم، ولذلك ينصح أبو خليل بضرورة التعامل المعتدل أو التزام الوسطية في التعامل مع الأطفال.
وعن أثر التدليل الزائد يوضح أبو خليل أن من سلبياته :
• لا يرسم صورة حقيقية للواقع فالواقع به أشياء مقبولة وأخرى مرفوضة.
• الاستجابة لجميع طلبات الطفل والخوف عليه من أي عقاب يجعله إنسانا غير طبيعي وغير سوي فالحياة الطبيعية بها أشياء متاحة وأخرى غير متاحة ، "أشياء تستطيع الحصول عليها وأشياء تسعى جاهدا من أجل تحقيقها".
• الطفل المدلل يصبح شخصا أنانيا لا يحب إلا نفسه، ويظهر عنده حب السيطرة نتيجة تلبية الأب أو الأم أو كليهما لجميع أوامره ورغباته.
• تنعدم ثقته بنفسه نتيجة السعي إلى خطب وده ورضاه وعدم تحمل بكائه والخوف عليه من أي غضب.
• لا يستطيع تحمل المسئولية كاملة لأنه اعتاد على أن يُخدم من قبل الآخرين.
• الدلال الزائد يجعل شخصية الطفل اتكالية غير منجزة واعتمادية من الدرجة الأولى.
http://wafa.com.sa/contents/535
21/06/2011
"يا مدلع ولدك يا شاقيه"
أن نحب أطفالنا لا يعني أن نحقق لهم جميع رغباتهم أو نجعلهم بمنأى عن العقاب وهذا ما أكدته دكتورة هبة قطب مدرس الصحة الجنسية والعلاقات الزوجية في أحد برامجها المتعلقة بالأسرة، بعد أن حكت قصة أب جاءها يستغيث ويطلب المساعدة، وسرد قصته كاملة مع زوجته وابنه الوحيد ، يقول: بعد زواجنا كانت هناك مشاكل في الإنجاب وسافرت بزوجتي إلى الخارج للعلاج ولم نفقد الأمل حتى رزقنا الله بطفل بعد عشرين عاما من الانتظار. ويواصل: لم تسعني الفرحة أنا وأمه وعاهدنا أنفسنا على ألا نحرمه من أي شيء قط، وأن نلبي جميع طلباته حتى قبل أن يطلبها أو يفكر فيها .. وقاطعته الدكتورة بسؤالها .. ألم تجبره على شيء قط ؟
قاطعها الأب : بالطبع لا... ولماذا أجبره على عمل شيء وأنغص عليه حياته ما دام رافضا إياها!؟
فسألته: ومتى بدأ الصلاة ؟
- عندما بلغ الخامسة عشر من عمره ولم يواظب عليها لأني لم أجبره يوما على الصلاة أو الذهاب معي إلى المسجد حيث كان يتعلل باللعب على جهاز الكمبيوتر الخاص به فاتركه.
وواصل الأب حديثه بندم وحزن شديدين وتلعثم وهو ينطقها: " إلى أن حدثت الكارثة وسافرت مع والدته لزيارة أحد الأقارب، وعند العودة كانت الفاجعة الكبرى عندما فوجئنا بابننا الوحيد المدلل في وضع مخل مع أحد أصدقائه، وعلى الفور وقعت أمه وأصيبت بذبحة صدرية ، وما جعل عقلي يشت أنني عندما واجهته بأن ديننا وتقاليدنا الاجتماعية ترفض ذلك ، رد علي ببساطة قائلا " أنا أفعل ذلك لرغبتي فيه وعندما أحس بعدم الرغبة في هذا الأمر سوف أمتنع " .
وعلى أحد المنتديات، وفي حلقة نقاش عن سمات الشخصية يشكو أحدهم أبيه الذي رباه على التدليل الزائد قائلا: "عودتني على أن تكون طلباتي مجابة، ورغباتي محققة، مخدوما لا خادما ... وآخذا لا معطيا ... و آمرا وناهيا، والخطأ مني في نظرك صواب". وواصفا حالته الحالية بعد أن اصطدم بالواقع كأنه مقاتل يحارب في ساحة المعركة دون سلاح، أو كهشيم تذروه الرياح، أو كقارب صغير يعاني من لطم الأمواج، وقد فقد الملاح. متمنيا أن يعود به الزمن ويتربى بقسوة مغلفة بالرحمة وغلظة ممزوجة بالحنان فيصبح شخصا متزن الشخصية.
ولكن !!
ماذا يفعل الآباء لتجنب التدليل الزائد في التربية ؟
وهل الشدة هي الحل الأمثل والبديل أم هناك أساليب أخرى ؟
يعرف التدليل بأنه: الحب الزائد عن الحد والإسراف في تلبية رغبات الطفل، لشراء رضائه ومخافة من جرح مشاعره، والمبالغة في الحيطة والحذر تجاه الطفل. ولهذا يؤكد خبراء متخصصون في التربية بأن الوسطية في التعامل مع استخدام الحزم دون قسوة هما خير وسيلة للتعامل مع الأبناء "لا إفراط ولا تفريط" محذرين من التدليل الزائد والذي على أثره ينمو الطفل وهو يريد أن تلبى جميع مطالبه، بصرف النظر عن الظروف المحيطة به، ولا يقبل الرأي الآخر، فيثور ويغضب عندما ينتقد أحد سلوكه، ولأنه تربى على الدلال، ولم يسمع سوى كلمات المدح والثناء والحب، لذا يعتقد الكمال في كل تصرفاته وأنه منزه عن الخطأ.
نفس المعنى يؤكده دكتور بينجامين سبوك في كتابه " تربية الأبناء في الزمن الصعب"، فيرى أن الطفل في حالة التدليل المبالغ يخرج إلى المجتمع وقد اختلطت لديه المفاهيم، وأصبحت الأمور عنده غير واضحة، النجاح كالفشل والصدق كالكذب.
دراسة حديثة:
وما يؤكد أهمية الحزم في التربية، دراسة أقامها مركز الدراسات التربوية في أمريكا عام 2000على مجموعة من الأطفال ذوي الست سنوات بهدف معرفة أهمية تأجيل الإشباع لدى الطفل مستقبلا حيث وضع الباحث أمام الأطفال علبة حلوى، وأعلن أن من سيأخذ الحلوى الآن سيحظى بالحلوى فقط، أما من سيأخذها بعد ساعتين سيفوز بالحلوى وأشياء أخرى مبهرة. وكانت النتيجة أن تناول جزء من الأطفال الحلوى متسرعا، والجزء الأخر كبح جماح نفسه، وبعد عشر سنوات أجري الباحث اختبار الشخصية على نفس العينة وكانت النتائج التي ظهرت هذا العام أفادت بأن الأطفال الكابحين جناح رغباتهم في الصغر هم الآن يتمتعون بشخصية قيادية مبادرة ناجحة، أما من تسرعوا في الصغر وأكلوا الحلوى في الحال فيتميزون بشخصية اعتمادية مترددة غير واعية لمتطلبات حياتها.
في التفريط الندامة وفي الحزم السلامة:
ولهذا تنصح وفاء أبو موسى ، المستشارة التربوية والنفسية بضرورة تحديد النموذج التربوي في التعامل مع الأبناء، وتحذر من تربية الدلال لأنها مفسدة للطفل وتدفع به إلى النشأة السلبية ، وتقدم في خطوات نصائح للآباء والأمهات في تربية الأبناء حتى لا يصير طفلهم مدللا :
1. استخدام الحزم مع الاهتمام الشامل بالطفل، ويتسم الاهتمام به بالشمولية الكاملة للاهتمام شرط أن يكون الوالدين حازمين في حالة تكرار خطأ الطفل .
2. الاهتمام الإيجابي مقابل الرعاية الزائدة، أي على الوالدين الاهتمام بالطفل اهتماما إيجابيا لما يصب في مصلحته، أي عند الاهتمام بطعامه عليهم الاهتمام بالطعام الصحي والبعد عن الأطعمة المحفوظة والتي يرغبها الأطفال بشدة.
3. أيضا الاهتمام الإيجابي باللعب وترفيه الطفل، بالمقابل تنظيم وقته ما بين اللعب والتعلم والاجتماعيات والترفيه والنوم المنتظم.
4. توضيح قوانين الأسرة من الأشياء الهامة في حياة الطفل حيث يظن البعض أن الطفل لا يفقه قوانين الأسرة، لكن الطفل يتعود على هذه القوانين فكلما كان الوالدين واضحين مع الطفل بشأن ما يجب وما يصح والعكس نجد الطفل تعلم تحمل المسئولية .
5. ليس من الضروري تلبية كافة احتياجات الطفل، وهذا ليس هدفه الحرمان بل بهدف التنشئة الصحيحة.
التدليل الزائد يساوي الإهمال:
ويعلن دكتور عمرو أبو خليل، الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي، أن التدليل الزائد للأطفال مثله مثل الإهمال، وبالتالي هو بمثابة إساءة للطفل مثل الإساءة بالإهمال، ويرى أن الطفل المدلل غالبا ما يكون الطفل الوحيد، أو الذي جاء بعد فقدان الأمل في الإنجاب، أو الولد الوحيد بين أكثر من بنت ، وقد يلجا الأبوان أيضا إلى أسلوب التدليل في التربية نتيجة فقدان سابق لأحد الأبناء، أو توالي حمل غير مكتمل للأم، ولذلك ينصح أبو خليل بضرورة التعامل المعتدل أو التزام الوسطية في التعامل مع الأطفال.
وعن أثر التدليل الزائد يوضح أبو خليل أن من سلبياته :
• لا يرسم صورة حقيقية للواقع فالواقع به أشياء مقبولة وأخرى مرفوضة.
• الاستجابة لجميع طلبات الطفل والخوف عليه من أي عقاب يجعله إنسانا غير طبيعي وغير سوي فالحياة الطبيعية بها أشياء متاحة وأخرى غير متاحة ، "أشياء تستطيع الحصول عليها وأشياء تسعى جاهدا من أجل تحقيقها".
• الطفل المدلل يصبح شخصا أنانيا لا يحب إلا نفسه، ويظهر عنده حب السيطرة نتيجة تلبية الأب أو الأم أو كليهما لجميع أوامره ورغباته.
• تنعدم ثقته بنفسه نتيجة السعي إلى خطب وده ورضاه وعدم تحمل بكائه والخوف عليه من أي غضب.
• لا يستطيع تحمل المسئولية كاملة لأنه اعتاد على أن يُخدم من قبل الآخرين.
• الدلال الزائد يجعل شخصية الطفل اتكالية غير منجزة واعتمادية من الدرجة الأولى.
http://wafa.com.sa/contents/535
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق