رشا عبيد
"يا جمال قول لأبوك كل الشعب بيحبوك"॥ كانت هذه بعض من هتافات أنصار مبارك من داخل قاعة المحكمة بأكاديمية الشرطة بالأمس؛ مما أثار استفزاز البعض، وزاد عليه تحية علاء للهاتفين وإشارة جمال لهم بعلامة النصر।
ولم ينته الأمر عند الهتافات أو حمل اللافتات المؤيدة لمبارك والمعارضة لمحاكمته باعتبارها إهانة له؛ بل تطور الأمر إلى اشتباكات حادة مع أهالي الشهداء وثوار التحرير والاعتداء على المحامين المدعين بالحق المدني وعدد من المراسلين والصحفيين حتى وصل عدد المصابين إلى 23 بحسب ما أعلنته وزارة الصحة.
من أنتم
هذه الصورة في مجملها وتوقيتها تبدو ترجمة حقيقية لإيمان أبناء مبارك بقضيتهم وتعاطفهم الشديد مع الرئيس المخلوع باسم المشاعر الأبوية؛ فبعد أن بدوا كمفاجأة للجميع لعدم توقعنا مثل هذا التعاطف والتأييد، وبعد أن كَذَّبَهم الكثيرون واتهمهم البعض بالعمالة والهتاف باسم مبارك مقابل عشرات الجنيهات، وبعد أن كانوا يخجلون من الظهور والحديث عبر شاشات التليفزيون.. أصبح "المباركيون" أمرا واقعا متحدين سخرية الكثيرين حتى ليتشكك البعض فيما يؤمنون به حقاً.
وما يؤكد انتشارهم أيضا المجموعات المؤيدة للرئيس السابق والمنتشرة على صفحات الفيس بوك ومنها "جروب محبي السيد الرئيس محمد حسني مبارك" الذي يزيد عدد أعضائه على 38 ألفا، و"جروب إحنا آسفين يا ريس" وعدد أعضائه يتعدى الأربعة آلاف عضو، و"ثورة غضب أبناء مبارك" والذي نشر أحد أعضائها دعوة لكل أبناء مبارك - كما يلقبون أنفسهم - ليلة جلسة المحاكمة الثانية نصها:
"نعلن نحن أبناء مبارك على توفير أتوبيسات نقل أبناء مبارك إلى مكان الجلسة على مرحلتين؛ أول مرحلة سوف تكون قبل السحور على أن نتوجه إلى مكان الأكاديمية ونتسحر هناك وسوف تتحرك أتوبيسات هذه المرحلة ما بين الساعة الثانية بعد منتصف الليل إلى الساعة الرابعة... أما المرحة الثانية فسوف تكون أتوبيسات النقل متواجدة من الساعة 5 فجراُ إلى الساعة السابعة من صباح يوم الجلسة للذين يفضلوا الذهاب صباحاُ... المكان : ميدان مصطفى محمود".
فما سر تعاطف المصريين مع الرئيس المخلوع؟.. وهل هذا التعاطف سلوك إيجابي أم أنهم ضحية نظام بائد؟.
دعوة للدفاع!
"ليس منا من لا يرحم صغيرنا و يوقر كبيرنا".. هكذا تبدأ دعاء - طالبة الجامعة - كلامها معبرة عن نظرتها الأبوية لمبارك ورفضها أن يهان في هذه السن؛ موجهةً إلىّ سؤالها: هل ترضي أن يهين أحد والدك؟!.
وتواصل: وبصرف النظر عن مبارك الأب، كيف لنا أن نكون جاحدين وناقمين بهذا الشكل وكيف ننكر كل الإنجازات والرخاء في عهد مبارك، والأهم الأمن والاستقرار الذي نتمناه حاليا بعد نكسة 25 يناير أو 25 خساير - على حد قولها.
وتجمل مشاعرها قائلة: "إحنا آسفين يا ريس.. والله العظيم إحنا آسفين .. اللي بيحصل فيك دة حرام ..."، وداعية له بان يفرج الله كربه وهمه وييسر عسره ويحفظه ويحميه.
وعلى لسان مؤسس صفحة "ثورة غضب أبناء مبارك" كتب يقول: "بكرة هيتكرر علينا مشهد محاكمة مبارك تاني، بكرة هنشوف رمز الدولة يهان للمرة الثانية، يا ترى إيه شعورك وأنت بتشوف المشهد ده؟".. ويواصل: "عن نفسي مش هاين علي أشوف أبويا يهان بالشكل ده".
وتكتب أخرى "هذه رسالة من إحدى محبي الرئيس المخلوع" تقول فيها:
"أنا واحدة بتحب الريس وخايفة عليه بجد وبدعي له ومستعدة أموت نفسي علشان الريس لان الراجل دة بطل وبقول بأعلى صوت بــــحـــبــــكـ يا ريس وهفضل معاك ووراك وهنزل المحكمة وأدافع عنك ويكون ليا الفخر لو أنني مت دفاعا عنك .. قائدا وبطلا ورجلا بجد ..
بجد ياريت كلنا ننزل ندافع عن الرئيس ونعيد حقه وكرامته، أنا نازلة يوم (15-8) وهجيب حقك يا ريس في (أكاديمية مــــبــــاركـ الشرطة) الساعة 8 صباحاً ياريت بجد كلنا ننزل علشان إحنا مصريين وعندنا أصل..."!.
ويفسر أحدهم تعاطفه مع المخلوع قائلاً: في عهده عرفنا معنى الأمن والأمان، وعشنا أول 30 سنة دون حرب أو دماء، وكل يوم أعلن تأييدي له بعد انتشار مظاهر الفوضى والباعة الجائلين في الميادين المختلفة، والتي لم نشهدها في عصره، وأعمال البلطجة على مرأى ومسمع الجميع، وظهور الانتهازيين بداية من سائق الميكروباص الذي يضاعف الأجرة بلا رقيب"!.
ويوجه نصيحة لثوار التحرير قائلاً: "يا جماعة فكروا الأول بلاش التخلف والغباء والرجعية دي، فرحتوا فينا اللي يسوى واللي ميسواش من الدول والكل طعمان في مصر".. ويتوجه في النهاية بالشكر للرئيس السابق "قائد الضربة الجوية على إنجازات ثلاثين عاما هي فترة حكمه".
ولأنه يقتنع بمقولة "ارحموا عزيز قوم ذل" انضم لؤي - طالب الثانوية العامة - إلى "أبناء مبارك" معلنا عن تجاوزه عن ظلم وقع له في عهده.
عقدة "الأب الأكبر"
وعن تفسير هذه الحالة الحادة من التعاطف لدى المدافعين عنه؛ يؤكد دكتور فتحي الفيفي - وكيل المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببور سعيد- بأن الشعب المصري طيب وعطوف بطبعه، والعاطفة تغلب عليه قبل التفكير، موضحا أن هذا ما يعيب الشعب المصري.
ويواصل: "ولأننا تربينا على احترام الأب إلى أقصى درجة حتى لو كان قاسيا أو لا ينفق على أبنائه أو ... أو ..؛ ظهرت الجماعات المؤيدة للرئيس السابق أو "أبناء مبارك" كما يحلو لهم أن يسموا أنفسهم، فقد نشأ هؤلاء الأبناء وشبوا في عصر هذا الرجل وعايشوه ثلاثين عاما بكل عيوبه ومميزاته، ولا صحة بأنهم من الفلول أو بقايا الحزب الوطني فمن منهم سيدافع عن رئيس في قفص الاتهام مسببا لنفسه الإقصاء السياسي والاجتماعي".
ويرى الفيفي أنه إذا تم توضيح مدى الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في عهده وكيف أنه استحل أموال الشعب واعتمد على وزارة يتشعبها الفساد مع إلغاء النظرة الأبوية؛ سيدرك البعض منهم أهمية المحاكمات، لذلك فالشعب المصري في حاجة إلى التثقيف ليعي هذا جيدا.
ويدعو الدكتور فتحي إلى إنهاء هذه الحالة من التعاطف لصالح التفكير فيما يصب في مصلحة الوطن؛ خاصة "ونحن في أشد الحاجة إلى بنية تحتية وأمن قومي بدلا من هذه المشاعر التي تتسبب في انهيار البلد وانتشار حالة من الفوضى وعدم النظام.. وهذا ما رأيناه بالأمس حتى كانت النتيجة إلغاء علانية المحاكمات".
وعن تفسيره لصورة مبارك على سريره وحمل كل من علاء وجمال مبارك للمصحف الشريف , يرى الفيفي أنها مجرد "كوموفلاش" – أي نوع من الدعاية الوهمية - للعب على مشاعر المجتمع المصري.
جماعات المصالح
ومن جهته يقول دكتور صفوت العالم -أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة-: "في أي قضية لابد من خلاف واختلاف حولها مع استحالة الإجماع على رأي واحد أو الاتفاق على شخص وخاصة في إطار الحريات، وبالتالي تتعدد في المقابل جماعات المصالح، وحكم مبارك استمر سنوات طويلة فلا شك أن له مستفيدين، وجماعات مصالح مختلفة، وبالتالي فكل من كانت له مصلحة وكل من استفاد في عهده يصبح مؤيدا، وقد لا يجد الفرصة للإفصاح عن موقفه المؤيد وقت حكمه، ولكن بمجرد إتاحة الفرصة يعلن عن تأييده والتعبير عن رأيه، وخاصة إذا وجد مؤيدين مثله.. فسلوك الفرد بمفرده يصيبه بالتنافر، أما إذا وجد من يؤمن بنفس قضيته فيتم الاتحاد معلنين جميعا عن أفكارهم بشجاعة وهذا ما حدث بالفعل".
و يستكمل العالم أن ما ساعد في ظهور مثل هذا التعاطف المبالغ فيه أن الثورة لم تتملك الحكم بعد؛ فقد قامت وغيرت النظام وأسندت السلطة للقوات المسلحة، وبالتالي لا يوجد سيطرة على كل منافذ الحكم فضلا على أنها تركت الحكم لكل الأنظمة والتيارات المختلفة من الشيوعيين والسلفيين والإسلاميين والليبراليين وغيرهم.
ويختتم بقوله: "على أبناء مبارك أن يعلموا بأن إنجازات مبارك التي يرفعونها كشعارات لهم ما هي إلا واجب بسيط من واجبات رئيس الجمهورية وليست منحة أو هدية لشعبه.
تعاطف بنية إثارة الفوضى
وترى الدكتورة نهى السيد أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس؛ أن التعاطف تجاه الرئيس السابق شعور طبيعي لدى بعض الناس بعد سنوات حكم استمرت 30 عاما، وهذا التأييد ليس معناه التأييد المطلق لسنوات حكمه كلها ولكن التعاطف مع سنه وظروف مرضه ورفضهم إهانته كرمز من رموز الدولة المصرية، على حسب اعتقادهم.
وتوضح أن هنالك من لهم أهداف أخرى من هذا التعاطف مثل نشر الفوضى والتأثير على الاقتصاد القومي، وأهداف أخرى كثيرة، وقد نجحوا بالفعل في تحقيق أهدافهم خاصة بعد إلغاء علانية المحاكمات.
وتنهي حديثها بأنه إذا كان الرئيس السابق يلعب على مشاعر المجتمع بدخوله على سرير أو غيرها من المشاهد للتأثير على البعض وتوصيل رسالة بأن المرحلة العمرية له لا تسمح بمثل هذه "الإهانات" –كما ينظر مؤيديه إلى محاكمته- إلا أن الشعب يعي أبعاد القصة جيداً ويتمنى أن ياخذ العدل مجراه.
http://www.onislam.net/arabic/problems-answers/8101/133919-q-q-.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق