"أردوغان يا عود ريحان .. سيرتك حلوة في كل مكان، عندا فيكي يا إسرائيل .. الطيب على أرض النيل، رجب يا رجب .. شكرنا ليك قد وجب، اشهد اشهد يا زمان .. حب مصر لأردوغان"...
بهذه الشعارات استقبل الشباب المصري بحفاوة، أعادت إلى الأذهان الاستقبال الشعبي لجمال عبد الناصر في الدول العربية، رئيس الوزراء التركي "رجب الطيب أوردغان" في مطار القاهرة، فور وصوله لأرض مصر يوم الاثنين الماضي الموافق الثاني عشر من شهر سبتمبر كأول زيارة له بعد ثورة 25 يناير.
ولأن شباب الإخوان المسلمين كان لهم النصيب الأكبر في المشاركة؛ فقد رددوا شعارات خاصة بهم: أردوغان يا أردوغان .. ألف تحية من الإخوان، ورافعين صوره واللافتات المؤيدة له وللخلافة الإسلامية مع شعار الإخوان.
استقبال الأبطال
ولم ينته استقبال الطيب والترحيب به في مطار القاهرة بل رافقه حفاوة المصريين من كافة توجهاتهم في كل مكان دبت فيه قدمه؛ فكانت وقفة للترحيب به أمام السفارة التركية، وأمام القنصلية التركية بالإسكندرية، كما نظم طلاب الإخوان وقفة أمام مشيخة الأزهر للتعبير عن سعادتهم به مرددين هتافات: "أهلا أهلا أردوغان أهلا أهلا بالأبطال".. "أهلا أهلا أردوغان أهلا أهلا بالشجعان".
وجاء هذا الاستقبال بعد قيام عدد من الشباب على موقع الفيس بوك بتدشين العديد من الصفحات التي تدعو للمشاركة في استقبال أردوغان منذ الإعلان عن زيارته الرسمية لمصر، ومن هذه الصفحات "هانستقبلك بالورود يا أردوغان عشان أنت بجد إنسان" والتي دعا أعضاؤها الذين وصل عددهم إلى خمسة آلاف في ساعات محدودة للترحيب به أمام دار الأوبرا المصرية حيث المكان المحدد لإلقاء خطابه حاملين الورود وصوره واللافتات المؤيدة له.
ومن بين هذه الصفحات أيضا "أردوغان القائد والإنسان" والتي دعت لاستقباله في كل مكان يمر به وصفحة "استقبال أردوغان 12 سبتمبر" وغيرها العديد من الصفحات التي أنشئت لنفس الغرض.
صلاح الدين 2011
ومن بين الآلاف من تعليقات شباب الفيس بوك والمعبرة جميعها عن انبهارهم برئيس الوزراء التركي والمؤيدة لاستقباله؛ أبيات شعر كتبها محمود عفان قائلا:
"تحيه تحية لاردوغان .... من اسطنبول للميدان, أردوغان رمز العزة .. يحميه ربي ويزور غزة، اردوغان عز الإسلام .. الله يعزه كمان وكمان , اردوغان اردوغان ... جاي بالخير والسلام، من تركيا لمدينه نصر .... نصر وعزة ووحدة يا مصر"
وموجها كلامه للمشير كتب Mahmoud Arafa: "حب وامن رخاء وأمان ... دى تركيا اردوغان .. مهما كان السن كبير ... مش عيب نتعلم يا مشير"
ويؤكد "أيمن طاحون" على أهمية استقبال أردوغان: "ده لازم يستقبل بالورود والريحان، لو لن يُستقبل استقبال الفاتحين مين اللي يستقبل كذلك ...هذا من أعاد دماء النخوة في عروق الامه من جديد .. أنا معكم".
وفي تحية خاصة منHuseen Abd Elaty : "إلى الرجل الذي رفع رؤوس المسلمين إلى السماء، إلى الرجل الذي رفع رأس بلاده في عنان السماء، إلى الرجل الذي لم يرض بأن يذهب دماء شهداء بلاده سدى، لك من شباب مصر ورجالها وشيوخها ونسائها وأطفالها ألف تحية واحترام، وننحني لك يا سيدي احتراما وتقديرا، وندعو الله العلى القدير أن يرزقنا أسدا مثلك لك منا ألف تحية ويوفقك الله لما يحبه ويرضاه".
واختصرت "هنا أسعد" مواقفه في جملة: "رجب أردوغان يلعب سنجل، وكل الدول العربية تلعب نيكست".
وعلى الجانب الآخر ظهرت بعض التعليقات الرافضة باسم الغيرة المصرية؛ ومنها تعليق "Ayat": "أردوغان بالفعل شخصية قوية أثبتت نجاح سياسي كقائد دولة لكن حجم الانبهار الذي قوبل به أعتقد أنه مبالغ فيه بشكل كبير، ففي النهاية هو رئيس دولة يعمل لمصلحة دولته وشعبه، ولم يأت إلى مصر إلا بعد أن قمنا بثورة شهد لها العالم كله، وإذا كان هو حقق نجاح كبير فنحن أيضاً حققنا كشعب نجاح لم نكن نعتقد أنه ممكن أبدا".
وأوضحت أنه: "إذا أردنا أن نتعلم من تجارب الآخرين كالأتراك وغيرهم؛ فلتكن علاقتنا كدولة مقابل دولة وشعب مقابل شعب، وليس كولي من أولياء الله الصالحين نحج لمقامه ونبتهل بذكره، وفي النهاية إذا أرادت تركيا أن تقيم علاقات معنا فبالتأكيد هي علاقة متبادلة ستعود عليها بالنفع".
وبعد تصريحاته في برنامج العاشرة مساء وإيمانه بفكرة الدولة العلمانية وضع البعض في حيرة من أمرهم فكتب أحدهم: "أردوغان قائد كبير ولكني أتمنى أن يكون بعيداً عن العلمانية فمصر سوف تقوم على الشريعة الإسلامية بإذن الله"، موضحا أن دعوته إلى قيام مصر كدولة علمانية سوف تضر بشعبيته.
عذرا تركيا
وفي تعليقها على حالة الإعجاب والانبهار هذه؛ انتقدت دكتورة داليا الشيمى على موقعها عين على بكرة فكتبت: لأننا محرومين، ولأنه نموذج يداعب خيالنا ويغيب عن أرض واقعنا، فنحن دوماً ندخل معه في حالة من الانبهار المبالغ فيه أحياناً.
وموضحة أن الانبهار أمر مُضاد للحكم العقلي، فحين علمونا كيف نُقيم شخص أو موقف قالوا لنا: إن كنت تحتفظ لهذا الشخص أو ذاك الموقف بحالة من الانبهار فتوقف عن إصدار حكم عليه، ذلك أن حكمك نحوه سيكون متأثراً بانبهارك ولن يكون أبداً حكماً عادلاً .
وفي تعليقها على موقف أردوغان من طرد السفير الإسرائيلي قالت: مع كامل احترامي لتركيا وأردوغان ... هذا موقف رائع في التخطيط والإدارة والتنسيق، لكنه أبداً ليس موقفا انفعاليا أو بطوليا نصفق بعده على صراع البطل للأشرار كما يحاول البعض في مصر تصويره لنا لسبب أو لآخر"، ومبرهنة على ذلك بأن هذا الموقف جاء بعد سنة وأربعة أشهر من حادث سفينة الحرية أي بعد التخطيط ثم اختيار الوقت المناسب.
رجل المهام الصعبة
واختلف معها في الرأي دكتور محمد المهدي موضحاً أن الشارع المصري يتوق لبطل منقذ مخلص وطني، وهذه الصفات ليست متوفرة حتى الآن بشكل عملي وقد تكون متوفرة في بعض المرشحين ولكن في شكل وعود.
وواصل قائلاً: الشعب المصري منذ زمن بعيد لا يرى بطلا مخلصا ومخلصا بعد أن تهاوت الرموز وضعفت واستسلمت، ومن هنا يمكن القول بأن الشارع المصري يجد في أردوغان رجلا بمعنى الكلمة، رجلا خدم شعبه منذ مطلع شبابه، وفيه مواصفات البطل فهو ينتمي إلى بلد إسلامي وتربى في بيئة إسلامية وعلى أيدي نشطاء إسلاميين واستطاع أن يشارك في أحزاب استطاعت أن تحكم بلدا، كذلك استطاع أن يحقق مكاسب لشعبه، ولم يكتف بهذه الانجازات على المستوى التركي وإنما امتدت نجاحاته على المستوى الدولي واتخذ مواقف بطولية ضد إسرائيل ووقف شامخا في الكثير من المؤتمرات وجاهر بموقفه المعارض لإسرائيل، وقدم تضحيات من المواطنين الأتراك في سبيل القضية الفلسطينية وطالب الحكومة الإسرائيلية بالاعتذار ودفع تعويضات لأسر الشهداء، وحينما رفضت اختار الوقت المناسب وقام بطرد السفير الإسرائيلي وتجميد العلاقات.. كل ذلك في موقف يتوق إليه المصريين.
صفات شخصية
ويضيف المهدي إلى إنجازاته التي جعلت منه بطلا مواصفات شخصيته التي تدعو للإعجاب؛ فهو يقف شامخا ويبدوا وسيما ومهندما ويتحدث بعزة وكرامة، ولديه كاريزما ونبرات صوته تعطي إحساسا بالعزة، وكل هذه الأشياء تجعله بكل حق ممثلا لقيادة إسلامية ودولية حقيقية.
وينتقد المهدي تصريحات قيادات الإخوان وتحذير أردوغان من الهيمنة على المنطقة بعد تصريحه وإيمانه بعلمانية تركيا، فهذا من شانه أن يفهم بأنه إنكار لدور الرجل والتفكير بعقلية مبارك والتوهم بأنه يفكر في السلطانية العثمانية، وقد تُفهم على أنها قصر نظر في الحكم على الأمور وأنه صراع وتنافس بين الدور المصري والتركي وهذا التقوقع والانكماش هو ما عطل العلاقة بين مصر وإيران من قبل.
وعبر المهدي عن ذكاء رجب أردوغان لاختياره توقيت الزيارة بعد ثورة 25 يناير التي أبهرت العالم وبعد أحداث السفارة وطرد السفير ليقول لنا "أنا فعلت ماتمنيتموه وما لم يفعله قادتكم".
إيجابية يقابلها الخنوع
وتعليقا على إحساس البعض بنبرة التعالي والكبر في بعض عبارات خطابه في الجامعة العربية وكأنه يشير بالتجربة التركية لمصر ويريد أن نتعلم منها أو أنه جاء ليقدم النموذج التركي كحل للجدل القائم حول هوية مصر بعد 25 يناير، ختم المهدي قائلا: قد يكونوا على صواب ولكني أعتقد أنه لا يؤخذ على أنه تعال، وإنما حقيقة الأمر أنه نجح ودائما الناجح يُعلم من لم ينجح، فما المانع أن نتعلم؟.
واتفق معه في الرأي دكتور محمود خليل أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: علينا أن نتفق بأن الشارع العربي يتفاعل مع تصريحات أردوغان بدرجة عالية من الإيجابية وينبهر به منذ موقفه من عدوان غزة 2008، وعندما هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بمنتهى الحدة وأكد أن إسرائيل دولة لا تريد السلام.
وواصل قائلاً: كل هذه المواقف كان يقابلها قدر كبير من الخنوع والارتخاء على مستوى الحكام العرب أمام الغطرسة الإسرائيلية، ويشهد على ذلك تصريحات الرئيس المخلوع بعجز مصر عن الوقوف ضد إسرائيل ورغبته في تجنيب الشعب المصري الدخول في الحروب،
وذكر خليل أن المصريين كما أتصور لم ينسوا لأردوغان كلماته المؤثرة أثناء ثورة 25 يناير؛ والتي أكد فيها لمبارك أننا بشر وأننا غير خالدين وأننا جميعا سوف نموت وسوف نحاسب على أعمالنا، وهو خطاب لم يكن لمثل مبارك أن يفهمه.
ويضيف على ذلك بأن جانب التميز الأساسي في شخصية أردوغان يرتبط بقدرته على التعبير بلسان الشارع، وكل ذلك ساعد في تكوين صورة إيجابية له في الشارع المصري.
وحول حديثه عن علمانية الدولة أوضح خليل بأن: هذا التصريح كان صدمة للكثيرين لأنه تصور أن الشارع المصري لم يفهم أبعاد هذه الفكرة، حيث أنه أكد على إسلامية الدولة والمجتمع التركي وعلى الديمقراطية، والديمقراطية في جوهرها فكرة علمانية.
وأشار إلى أن الرجل كان موفقا في تصريحه وأن: المصريين علمانيون من داخلهم فنحن شعب دنيوي ومحب للحياة والاستمتاع بها، وكل ما يظهر على الشخصية المصرية هو تدين وسطي لا يشوبه التطرف أو التعصب وإنما هو التدين الذي يحكمه قانون "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة"، فالشعب المصري يؤمن بالحرية والديمقراطية ويرغب في عمل تجاري لا توجد أمامه عوائق قانونية وهذه الأفكار في مجملها هي العلمانية.
وموجها كلامه للمواطن المصري قال خليل: المواطن المصري مطالب بفك هذا الاشتباك بين العلمانية والإسلام، فالإسلام لا يتعارض مع فكرة الحرية والعدالة والمساواة، ويؤكد على فكرة العدل "إن الله يأمر بالعدل" ويؤكد على الإتقان في العمل "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها".. وهذه نفس أفكار وقيم النظام العلماني.
وينهي خليل كلامه بأن: النقطة الوحيدة التي يمكن الجدل حولها بشأن العلمانية هي مسألة فصل الدين عن السياسة।