الكاتب
قد لا يغيب عن أذهان الشارع السعودي هذا الزوج الذي لجأ إلى تعليق لافتة قماش تتضمن اعتذارا رسميا منه لزوجته على جسر للمشاة في مدينة "الخبر" العام الماضي في محاولة منه لإرضائها، وتضمنت الرسالة طلبه الصفح والتأكيد على تمسكه بزوجته بعد محاولات يائسة منه لإعادة المياه إلى مجاريها.
وعلى نفس الطريقة قام زوج مصري أيضا بتجهيز لافتة كبيرة طولها 12 متر وعرضها 7 أمتار أمام منزل زوجته في احد شوارع وسط القاهرة ,تختلط فيها عبارات الاعتذار والحب, ولم ينس الزوج استدعاء وسائل الإعلام حتى يكون الاعتذار علنيا
هذان الزوجان وإن كانا قد سارعا بإطفاء حريق خلافاتهما الزوجية فعلى الجانب الآخر وبحسب صحيفة عكاظ السعودية قام سعودي بتطليق زوجته بعد أن طلب منها إعداد السمبوسك المحشو باللحم في رمضان هذا العام وعند الإفطار تذوقها ليجدها بالجبن فاعتدى عليها بالضرب وطردها من المنزل بعد أن ألقى عليها يمين الطلاق, وآخر يطلق زوجته عبر الميكروفون الخاص بأحد المجمعات التجارية أثناء تسوقهما
فهل يقلل الاعتذار من رجولة الزوج أو ينتقص من قوامته ؟ ولماذا يعتبر البعض الاعتذار بمثابة مدخلا لاستقواء المرأة ؟ وما هو سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم في حل خلافاته الزوجية ؟
وخيرهما الذي يبدأ بالاعتذار
فالحياة الزوجية لا تخلو من الخلافات والاختلاف في وجهات النظر وكثيرة هي الموضوعات التي يدور حولها الخلاف وتعج بها بيوتنا , وقد تمر هذه الخلافات وتذوب سريعا دون حاجة للوقوف أمامها بينما هناك مواقف أخرى يتجمد فيها الخلاف ويتبلور خاصة مع تغير ظروف الحياة وكثرة الضغوط والمتطلبات الحياتية حتى ليصل إلى الطلاق في أحيان أخرى مع أن الحل في الغالب ليس معضلة وتحت أقدامنا ويكمن في كلمة بسيطة ومعبرة وقادرة على تحجيم المشكلة مجملها " الاعتذار والتسامح " ولأن الزوجة غالبا لا تمانع بالاعتذار لخطأ صدر عنها وأحيانا أخرى لخطأ ليس لها يد فيه , تظل لديها الرغبة الدائمة في سماع كلمة اعتذار من زوجها سواء كانت بشكلها المباشر أو من خلال دلالات معبرة عنها بالرغم من إنكاره غالبا لأخطائه في حقها ومتخذا من كونه رجل البيت الرخصة الكافية لعدم الاعتذار ولاسيما أمام الزوجة ,وبالرجوع إلى خير معلم وقدوة المسلمين والقراءة في السيرة النبوية نجد أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب لنا أروع الأمثلة في التعامل مع زوجاته فنجده يطيب خاطر زوجته صفية ويقول لها " أما إني أعتذر لك يا صفية مما فعلت بقومك "
واعتذاره لها ليس لخطأ ارتكبه في حقها إنما تطييبا لخاطرها لغزوه صلى الله عليه وسلم لقومها في غزوة خيبر.
وموقف آخر عندما جاء أبو بكر يستأذن النبي فإذا بالسيدة عائشة رافعة صوتها في خلاف بينها وبين رسول الله فغضب منها أبو بكر رضي الله عنه وقال لها "يا ابنة أم رومان " فحال النبي بينهما وجعلها خلفه ليخلصها من أبيها فلما خرج أبو بكر أخذ رسول الله يتحدث إليها ويضاحكها ويقول " أما تريني قد حلت بينك وبين أبيك " وعندما رجع أبو بكر قال : "يا رسول الله أشركاني في فرحكما كما أشركتماني في حربكما "
شجاعة الاعتذار
ويرى دكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن الاعتذار بين الزوجين جائز عند حدوث الخطأ على ألا يُفهم الاعتذار بشكل خاطئ ويقول : فإذا حدث الرجل زوجته بطريقة لا تناسب مقتضى الشرع والعقل فعليه بالاعتذار فالأصل في العلاقة الزوجية أنها مبنية على الحب والمودة والرحمة لقوله تعالى ) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون )
ولقوله أيضا (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (وتأكيدا لمبدأ المعروف بين الزوجين يقول تعالى " فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ " وهو ما تعارف عليه الناس بالعلاقة الطيبة والحسنة بين الزوجين بعيدا عن عبارات التجريح وفي هذا الإطار يقول رسول الله " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " وهذه الخيرية تقتضي أن يعتذر الزوج ويواصل الشحات قائلا : على الجانب الآخر يجب على الزوجة ألا تُلجئ الزوج إلى ما يخرجه عن شعوره أو ما يسيء إليه حتى لا يتفوه بالألفاظ الخارجة أو يتصرف بشكل غير لائق لقوله تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) وهذا يفرض على الزوجة أن تكون رحيمة ودودة وأن يهيئ كل طرف الأسباب للطرف الآخر لتوفير الأجواء الطيبة حتى تكون العلاقة طيبة وعلى خير ما يرام
وموجها حديثه لكل زوجين يقول : الحياة الزوجية لا تسير على وتيرة واحدة إنما يتخللها أوقات من العسر واليسر والشدة والرخاء ولذلك على الطرفين أن يتحليا بالضبط النفسي في وقت الشدة والغضب وأن يفهم كل طرف الطرف الآخر وأن يحتذي كل زوج حذو رسول الله في تعامله مع زوجاته وإرضائه لهن وحرصه على معاملتهن بالمعروف وتقديره لمشاعرهن عندما كان ميثاق التعامل ميثاق شرف ووثيقة تكاملية أساسها المودة والرحمة وهذا هو دستور الحياة الزوجية ولا مانع في ظل هذا الدستور أن يعتذر الزوج لزوجته والعكس ,وينهي كلامه بتحذير الزوجة من إساءة فهم هذا الاعتذار أو أخذه على أنه انتقاص من قوامة الرجل بل عليها أن تتفهمه في وضعه الصحيح فالأصل هو أن يوضع كل شيء في نصابه الصحيح.
الخطأ = اعتذار
تقول إحدى النساء "ابتعدي عن رجل لا يملك شجاعة الاعتذار حتى لا تفقدي يوما احترام نفسك وأنت تغفرين له إهانات وأخطاء في حقكِ ، لا يرى لزوم الاعتذار عنها , سيزداد تكرارا لها .. واحتقارا لك "
وترد على ذلك دكتورة نعمت عوض الله , المستشارة الاجتماعية بأن البداية تأتي مع اختيار الزوج وتحديد صفاته قبل الدخول في العلاقة الزوجية ومن هنا تؤكد أن الشخص الضعيف بطبيعته يحس سريعا بالإهانة والدونية ويتشكك في تصرفاته فيصعب عليه الاعتذار ويراه انتقاصا لكرامته, بعكس الشخصية القوية, فكلما كان الشخص قوي الشخصية وكبير قيمة ومكانة كلما كان واثقا من نفسه ومن تصرفاته وكلما زادت كفاءاته كلما كان اعتذاره أسهل.
وتواصل عوض الله: على الزوج إن أخطا أن يتحمل نتيجة تصرفاته ويعتذر سواء كان هذا الاعتذار للزوجة أو لشخص أصغر منه أو أقل منه , ولو لديه تحفظات على الاعتذار فعليه أن يتجنب الأخطاء والغلطات التي لم نُعصم منها كبشر , كما تؤكد أن الاعتذار مسألة بسيطة ولا علاقة له باستقواء المرأة وما يضخمها هو أسلوب التربية في المجتمع الشرقي الذي يربط بين الاعتذار والانتقاص من القوامة
اعتذار غير مباشر
وتنصح المستشارة الاجتماعية كل زوج بأن يعتذر لزوجته إن أخطا في حقها إما بكلمات الأسف المباشرة أو باستخدام دلالات الأسف وتقديم الاعتذار بشكل غير مباشر فهناك نوع من الرجال لا يستطيع نطق " أنا آسف " بشكلها الصريح ومن هنا عليه أن يأتي بهدية لزوجته لدى رجوعه إلى المنزل أو يتصل بها قبل الرجوع ويستفسر عما تحتاجه أو يرسل لها رسالة تحوي كلمات حانية معبرة عن أسفه وتنهي عوض الله فتقول : وهنا على المرأة أن تتقبل هذه الأساليب وتتعامل بكل لطف وأن تكون حريصة على إنهاء الخلاف وعودة الحياة إلى مجاريها ।
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق