الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

رشا عبيد

الزوجة الصالحة أول طريق التربية السليمة
يخطئ من يعتقد أن تربية الأطفال تبدأ مع إتقان الطفل للمهارات اللغوية، وإدراكه للصواب والخطأ ، فالتربية السليمة على أساس من الدين الصحيح والتقوى والإيمان تمر بثلاث مراحل؛ تبدأ المرحلة الأولى منذ بداية التفكير في الزواج فاختيار زوجة أو زوج صالح تمهد لحياة سليمة، وبالتالي تربية سليمة وصحيحة للأولاد " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" الآية 32 سورة النــور.
فمعرفة الأم بأمور دينها وتمسكها بالمبادئ السليمة تسهل عليها عملية تربية الطفل وتلقينه هذه المبادئ ، أو بمحاكاة الطفل لها ونركز هنا على الأم لكونها هي التي تقضي وقتا أطول مع أطفالها بالنسبة لوقت فراغ الزوج وبالتالي فإن تأثيرها أقوى، ويصبح صلاح الطفل مهمتها الأولى.
الأم هي المؤسسة التربوية الأولى
ثم تأتي المرحلة الثانية منذ اليوم الأول لولادة الطفل، وذلك بإرضاعه الحنان حتى يكبر ويترعرع، وينتج هذا الحنان ثمارا أخرى من الحب والعطف والتقوى وغيرها من الصفات الحميدة التي أصبحت تغفلها الأم -أو حتى نكون أكثر صدقا - أصبحت لا تعي مدى أهميتها في رحلة البحث عن الأحسن لها على المستوى الشخصي، إما بالانشغال بنفسها وهوس العودة لرشاقة جسمها وتنشيف مناهل الرضاعة بإرادتها، أو بالعودة إلى وظيفتها بعد الولادة ، وفي كلا الحالتين ترمي طفلها في أحضان الخادمة التي غالبا ما تحمل جنسية وربما ديانة مختلفة عن الطفل، وهنا تتفاقم المشكلة عند الطفل، فنجد الخادمة تلقنه عادات وقيما مختلفة وغريبة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهو ما يسهم بشكل أساسي في تنشئة جيل معاق عاطفيا، غير متماسك داخليا، مشتت فكريا، وحينها يصدق عليه قول الشاعر:
إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أمّا تخلّت أو أباً مشغولاً
ومن هنا كان لزاما على الأم لكونها هي الأم التي عظمها الإسلام، وجعل الجنة تحت أقدامها، أن تعرف أن النجاح والتفاؤل والصدق والذكاء الاجتماعي والإيجابية والنشاط ، وما يقابلها من الفشل والإحباط والكذب والعند والسلبية والكسل، ما هي إلا مهارات يكتسبها الطفل من والديه، ومن تأثره بطريقة تربيتهم له، باعتبارهم المؤسسة التربوية الأولى، وعليها أن تفهم شخصية طفلها وتعرف احتياجاته ورغباته وإمكانياته وسمات المرحلة التي يمر بها أيضا، وتبدأ في التعامل معه معاملة حددها الإسلام لنا أساسها العطف والحنان " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ".
وهناك بعض الأساسيات التي تعتمد عليها الأم في هذه المرحلة أهمها
• علمي طفلك التفاؤل، وحتى تتقن الأم هذا الأسلوب لا بد وأن تكون على وعي ومعرفة بقصص مليئة بالنجاحات، أو مراحل من الفشل ثم التتويج بالنجاح المبهر بفعل الإرادة القوية، كأن تحكي له قصصا عن الغزوات التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم، أو مواقف من حياته كللت بالنجاح، أو حكايا من الواقع الذي نعيشه، لا بهدف التسلية فقط وإنما للإفادة أيضا، مع التركيز على أن الفشل ليس نهاية الحياة، وهذا ما أكده بول كولمان في كتابه " كيف تقولها لأبناءك " حيث نصح الآباء بمجموعة من الكلمات والتعبيرات التي لا بد من استخدامها أثناء التعامل مع أطفالهم، مركزا على نغمة الصوت الهادئة أثناء ترديدها، ومن هذه العبارات " لا بأس – الوقوع في الخطأ هو وسيلة تعلم الصواب – دعنا نرى كيف يمكن أن نحل ذلك سويا ".

• كوني قدوة لطفلك: وفي الحكمة الشرقية القديمة " قل وسوف أنسى، أرني ولعلي أتذكر ، شاركني وسوف أتذكر" وهذه المقولة توضح أن أهم شيء في التربية هي الممارسات العملية، فلا أقول: عند بدء الطعام لا بد أن نذكر اسم الله. ولكن الأفضل أن أقول له هذه المعلومة عندما يبدأ في تناول وجبته بالفعل ونقيس على ذلك جميع المواقف كآداب الشراب ودعاء ركوب السيارة وآداب الاستئذان والسلام وقول الصدق وعدم الكذب وآداب العطاس والتثاؤب.
• الإكثار من عبارات المدح والثناء والتحفيز، مثلا عند الانتهاء من اللعب احفزه على إعادة ترتيب غرفته وادعم ذلك بأن النظافة من الإيمان وأن الله جميل يحب الجمال مع التقليل من ذكر عيوبه وعدم التركيز عليها.
• يجب ألا ننسى أثناء هذه المرحلة أن الطفل ما زال صغيرا فلا نرهقه بالتزمت والجمود والإثقال عليه بالحديث عن المحرمات وعذاب النار لمن يخالف التعاليم الدينية، ولكن الأحسن أن نحدثه عن الثواب والجنة وما بها من جمال، ولا نثقل عليه في الصلاة وإجباره على الالتزام بها فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول " علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا ".
• استخدام مبدأ الثواب والعقاب مع عدم استعمال العنف في التربية، أو تعويد الطفل على العقاب بالضرب المبرح، فبحسب بحث لمركز ومختبر أبحاث العائلة بجامعة نيو هامشير الأمريكية، قارن بين معدلات ذكاء الذين تعرضوا للصفع في طفولتهم وآخرين لم يتعرضوا للصفع، فوجد أن الذين تعرضوا للصفع انخفض معدل ذكائهم كما أنهم أكثر عرضة لممارسة الانحرافات الأخلاقية عند الكبر كالاغتصاب والتحرش وانحرافات أخرى .
مهارات تساعد الآباء والأبناء
المرحلة الثالثة وهي مرحلة تكوين الشخصية واصطدام الطفل بالعالم الخارجي وتكوين علاقات اجتماعية جديدة، فيتغير دور الوالدين من تربية إلى تربية وحسن إعداد لمواجهة الحياة، ومراقبة لسلوك الطفل الناتج عن تأثره بالعالم الخارجي،ومن ثم تأثره بمؤثرات كثيرة ومتنوعة، قد تضر بما تعلمه في المرحلة الثانية، وهنا لا بد من المتابعة ومساعدته على اختيار أصدقائه وعلى الأم أن تعي ضرورة الارتقاء بالذوق العام للطفل في هذه المرحلة، وتحصينه ضد المواد الإعلامية السيئة، وانتقاء الأفضل منها وبما يتناسب مع المرحلة العمرية ، والحرص على الصلاة وقراءة القرآن ، ولا ننسى اختيار المدرسة التي نضمن له فيها تعليما إسلاميا واهتماما بمبادئ وقيم إسلامية حميدة ، وعن طريقة التعامل مع هذه المرحلة أوجز كتاب "كيف تتحدث فيصغي الصغار إليك وتصغي إليهم عندما يتحدثون" خمس مهارات تساعد الآباء والأبناء على العمل في إطار من التعاون وجو من الود والاحترام وهذه المهارات هي:
 وصف المشكلة: التركيز على المشكلة عندما يصفها لك أحد الأبناء وعدم التطرق لأشياء أخرى من أجل التأنيب.
 إعطاء المعلومات:الأبناء يدركون جيدا الهدف من إعطاء المعلومات.
 الإيجاز في الكلام: والابتعاد عن المواعظ و الشروح الطويلة التي لا يتقبلها الطفل في هذه المرحلة.
 أفصح عن شعورك : أي الصدق في التعبير عن مشاعرك سواء كانت بالإيجاب أو السلب.
 اكتب ملاحظة : و اترك ابنك يقرأها وسيشعر بالاهتمام .
نصيحة للآباء والأمهات
وعن أساسيات التربية الإسلامية يرى الشيخ عصام الشعار "باحث شرعي وعضو مجمع البحوث الإسلامية " أن دائرة المسئولية في الإسلام تتسع لتشمل كل فرد يعيش في هذا المجتمع؛ لأن مهمة صلاح المجتمع لا تقع على عاتق جهة بعينها، وإنما نطاق المسئولية يتسع ليشمل الجميع كلٌ حسب موقعه، ففي الحديث المتفق عليه "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".
وقد اهتم الإسلام بالأطفال وأولاهم عناية بالغة؛ لتكون نشأتهم على المنهج الإسلامي نشأة صحيحة وهذا الاهتمام يبدأ منذ مرحلة الاختيار بالنسبة للزوجين، فالزوجة –الأم مستقبلا- مطالبة أن تختار الزوج الصالح صاحب الدين والخلق، وأيضا الزوج مطالب بأن يختار الزوجة الصالحة، وبتعبير آخر الزوجة وهي تختار فإنما تختار زوجا وأبا وكذلك الزوج يختار زوجة وأماً، ومن هنا كانت هذه المرحلة مرحلة خطيرة وبالغة الأهمية لأنه يترتب عليها ما بعدها.
ويؤكد الشعار بان عملية التربية عملية شاقة وصعبة وسبب ذلك أن هذه العملية لها جوانب متعددة فهناك التربية الإيمانية، والتربية الأخلاقية، والتربية العقلية، والتربية الجسدية، والتربية الاجتماعية ولذلك فالمسؤولية لا تقع على عاتق الوالدين فحسب ولكنها عملية تقع على عاتق المجتمع بأسره (الأسرة، المدرسة، النادي، وسائل الإعلام ....) فهي مسؤولية تضامنية سنحاسب عنها جميعا بين يدي الله عز وجل كلٌ حسب موقعه.
ونصيحتي للآباء والأمهات أن نتعلم ونسأل ونقرأ، فعملية التربية ليست عملية عفوية ارتجالية، ولكنها تحتاج إلى علم وصبر، ولن يقوم بواجب الحفظ والتربية والرعاية لأولاده إلا من آمن أن غرسه الطيب سيكون مدادا لصحيفة عمله الصالح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" منها "ولد صالح يدعو له" فصلاح الأبناء يجني الآباء ثمرته في الدنيا والآخرة، وعلى قدر عظم الثمرة تكون المشقة.
نصائح تربوية
وعن أسس التربية السليمة تؤكد الأستاذة وفاء أبو موسى المستشارة النفسية والتربوية أن من تربى على العنف والقسوة ينشا بها ومن تربى على الاحترام في السلوكيات ينشا كذلك ويعتبر علماء التربية والنفس أن السنوات الست الأولى من حياة الطفل تكون شخصيته المستقبلية, فالطفل يكتسب جوهر خبراته الأساسية عن الحياة من خلال سلوكيات الآخرين تجاهه وخاصة ما يصدر عن الأم والأب من أفعال وسلوكيات, واستعانت في ذلك بما وصانا به المصطفى صلى الله عليه وسلم بملاعبة ومداعبة وملاطفة الأطفال على اعتبار أن الإشباع العاطفي يمثل أهم احتياجات الطفل في سنوات عمره الأولى, كما نوهت إلى ضرورة استخدام الحزم في التربية بعد مرور الست السنوات الأولى مع العلم أن هنا فارق كبير ما بين القسوة و الحزم فالقسوة ينتج عنها العنف أما الحزم فينتج عنه القوة والقدرة على تكوين ذات ناجحة في الحياة.
وأشارت وفاء أبو موسى إلى مقترحات تربوية هامة تساعد الأم في تربية أبناءها ومنها:
• اجعلي بيتك ساحة مرنة لمواجهة اكتشافات طفلك للبيئة ولا تحرميه من هذا الشغف الفطري باتجاه المعرفة والتطور.
• أشبعى عاطفة طفلك ولا تسقطي غضبك عليه فليس له أي ذنب فيما تعانينه من أي ضغوط أسرية أو غير أسرية، واجعلي طفلك واحتك الجميلة التي ترسم على وجهك البسمة حتى في أصعب الظروف.
• عودي طفلك على الاستقلالية من الصغر منذ نعومة أظفاره فليكن له غرفته الخاصة ونظمى مواعيد غذائه وشرابه ونظافته، فهذا يكون لديه سمات الاستقلالية، ولكن عاطفة الأم تفسد هذا الأمر التربوي فتهرول ناحية الطفل لمجرد سماعه يبكى، وبذلك يكتسب الطفل وسيلة لتلبية رغباته الأنانية وغير الأنانية بالبكاء وهذا ما لا نريد إكسابه أطفالنا؛ لأنه يجعلهم يستخدمون حيلا سلبية لبلوغ أهدافهم كالكذب والمراوغة مستقبلا.
• أشركي طفلك في اختيار ملابسه وألعابه وملصقات غرفته حتى في صناعة طعامه، أو تنظيم غرفته أو دولاب ألعابه، هذا الأمر يجعل طفلك منتجا وفعالا في الأسرة وخارجها مستقبلا.
• أتيحي المجال لطفلك للرسم وأوجدى باستمرار الأوراق البيضاء والألوان واهتمي برسوماته حتى لو رسم في اليوم ألف رسمة، وعليك اختيار أفضل رسمة ليعلقها في غرفته الخاصة وبعد سن الثامنة شجعي طفلك على صنع لعبته بنفسه، ففي ذلك تتطور إيجابي كبير لمنتجه الشخصي في الحاضر والمستقبل.

http://wafa.com.sa/new/wafaa/node/3172

هناك تعليقان (2):

mhsnelmhmdy يقول...

السلام عليكم

اغلب مشاكل التربية
و الحياة الزوجية
عموماً
سببها الرئيسي
هو سوء الاختيار,
وهو مالا ينفع فيه الندم
لذلك اما ان نختار اختياراً صحيحاً
والا فعدم الزواج افضل مليون مرة
حتى لا نأتي بأطفال نجني عليهم
وكما قال الشاعر
"وليس النبت ينبت في جنانٍ
كمثل النبت ينبت في الفَلاة"
---

نادي حواء يقول...

شكرا علي الموضوع